شرعية الحلّ والربط في الكنيسة – من له الأحقية بالغفران
استكمالاً لحديثنا وسؤالنا السابق ( أضغط هنـــــــا )
هل يحق للكاهن أو الأسقف أن يعطي حل أو لا يعطي الحل ، وقت ما شاء ، وكيفما شاء ، لأنه أعطى الحرية الكاملة من فم المسيح – له المجد – شخصياً ، فأصبح له السلطان أن يعطي أو لا يعطي حلاً لأحد !!!
وهل على كل الشعب الخضوع لهذا السلطان مهما كان مغالاً فيه !!!
وهل يحق لكاهن أو أسقف في حالة عدم اتفاق في الرأي أو الفكر ، أن يحرم أحد ولا يعطيه حلاً !!!
أسئلة كثيرة ولا يجرؤ أحد أن يعطي إجابة واضحة أو شافية ، ولا أحد يعرف القوانين الكنسية وحدود سلطان الكاهن والأسقف !!!
ولكننا سنجاوب من تقليد الكنيسة ومخطوطاتها :
أولاً ينبغي أن نعرف أن ما يُعطي الشرعية للحِل الربط لأي كاهن أو أسقف أو حتى البطرك ، هي :/ ” طاعة مشيئة الله “
فقد أجمع آباء الكنيسة الأرثوذكسية ( اللاهوتيون منهم والنُساك ) أن ما يُعطي الشرعية لممارسة الربط والحلّ هو أن يكون الحِل أو الربط ، طاعة لله وحسب مشيئته . وأن لا شرعية لأي قرار بالحِل أو الربط لا يكون موافقاً لمشيئة الله ، أو عكس تعاليم آباء الكنيسة المعتبرين فيها ( مثل الآباء الرسل أو الآباء المدافعين عن الإيمان أو المجامع المقدسة ) ، أو ضد آيات الكتاب المقدس …
ويقول القديس كيرلس الكبير عامود الدين في تفسيرة لنص كلمات المسيح له المجد للرسل بتقليدهم سلطان الحِل والربط :
[ مَنْ الذي يحق له أن يغفر تعديات الخطاة التي يرتكبونها ضد الشريعة الإلهية ، إلا واضع الشريعة نفسه ؟
لذلك فهذه الكرامة التي قلدّها المخلِّص لتلاميذه إنما يجب أن تكون متوافقة مع طبيعة الله ، لذلك فقد رأى الرب أن الذين قبلوا منه الروح القدس الذي هو إله ورب ، يكون لهم أيضاً السلطان أن يغفروا ويربطوا الخطايا ، بمعنى أن الروح القدس الذي يسكن فيهم هو الذي يحل ويربط الخطايا بحسب مشيئة الله ، بالرغم من أن الفعل يتم من خلال الواسطة البشرية ] ( القديس كيرلس الكبير – تفسير إنجيل يوحنا 20: 22 )
* إذن فالذي يحل ويربط هو الروح القدس ، وبحسب مشيئة الله ، والكاهن هو الأداة أو الواسطة البشرية ( مع ملاحظة أن ليس له السلطان أن يحل ويربط كيفما اتفق ووقت ما شاء ، كما سنرى فيما بعد ) ، وهذا يظهر بوضوح في صلاة تحليل الخدام التي يصليها الكاهن في بداية القداس :
وفي مخطوطة المعلم والتلميذ التي تحوي مبادئ فن وعلم الطب الروحاني ( وغالباً ترجع نساختها إلى القرن 13 ) ، يؤكد الكاتب أن ممارسة الحِل والربط يجب أن تكون ، ليس بحسب مشيئة البشر ، بل بناء على مغفرة الله لهم :
[ لأن الكهنة ليسوا هم آلهة ، فيتصرفوا في مغفرة خطايا الخطاة كما يريدون . … بل حيثما استحقوا من الله الغفران حينئذ يحلونهم .
لأن الخاطئ هو ميت بالخطية ، ولا يستطيع أن يُحيي الميت غير المسيح بن الله الحي ، لأنه هو الذي بصوته أيضاً أحيا الخاطئ الميت بالخطية ( يقصد إقامة المسيح – له المجد – لعازر من الموت ) . وعند ذلك يأمر الرب الكهنة أن يحلوه من خطاياه ويُطلقوه يمضي إلى الملكوت الأبدي ( مثلما أمر المسيح له المجد تلاميذه أن يحلوا لعازر من أكفانه بعد أن أقامه حياً ) . ] ( عن مخطوطة الاعتراف – الرأس السابع – وهي منسوخة في القرن 13 تقريباً )
عموماً وباختصار ؛ الحلّ والربط هو
+ سلطان مُعطى للكنيسة لتمارسه بحسب مشيئة الله وليس بمشيئة إنسان أو حسب رأيه الشخصي أو اعتقاده الخاص ، وليس ليمارسه فرد بمفرده مستقلاً عن الكنيسة أو حسب علاقته مع الناس وقربه منهم أو خصومته مع أحد أو حتى خلافه الشخصي مع أحد ، لأن هذا كفيل بأن يحرمه من وضعه القانوني أمام الله والكنيسة ككاهن أو أسقف .
+ هو سلطان مُعطى للكنيسة التي لا تستمد حكمها من ” لحمٍ ودم ٍ ” ( أي من مشيئة وهوى البشر ) ولكن من مشيئة ” الآب الذي في السموات ” ، كما شهد بذلك المسيح له المجد في إنجيل متى 16: 17 .
” فأجاب يسوع و قال له طوبى لك يا سمعان بن يونا إن لحما و دما لم يعلن لك لكن أبي الذي في السماوات “
وهذا يستدعي اجتماع الكنيسة كجماعة متحدة بالمسيح وبمشيئة الآب بالروح القدس لكي تحل وتربط الخطايا .
وواضح جداً الحكمة من ذلك وهي أن حكم الجماعة أكثر أماناً وضماناً لعدالة ونزاهة الحكم ، من حكم الفرد المستقل ، الذي هو مُعرض أن يكون حُكمه مستمداً من فكر بشري مشوباً بالهوى والمشيئة الخاصة والانفعالات البشرية ، وبخاصة أنه إذا أصدر ربط لإنسان وهو في خلاف شخصي معه !!!
وبناء على ذلك ، يتضح كلمات ربنا يسوع المسيح له المجد ، المختصة بسلطان الحل والربط ، وسوف نذكر الآية ونذكر كيف كانت الكنيسة تُصالح الخطاة والمتخاصمين قبل الاحتفال بالإفخارستيا وبدأ الصلاة .
سامحوني – يا أحبائي – أن كنت بطول في هذا الموضوع واستمر فيه ، لأنه مهم جداً لكي نعرف حدود هذا السلطان الذي أحياناً كثيرة يتلفظ به البعض دون دراية أو وعي ، وينعكس بالقلق على بعض الشعب ، وبخاصة من وضعوا الكاهن أو الأسقف في مرتبه الآلهة ، وكان لهم السلطان المطلق على الناس ، وهذا عكس الكتاب المقدس وقوانين الكنيسة ومجامعها المقدسة وفكر آبائها المدافعين العظام الذين سلموا كل الأجيال التعليم الصحيح حسب مشيئة الله وليس الناس …
النعمة معكم